فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال: وعزم الصانع على أنه إن ظهرت الأبيات للمعلم شرح له ما عنده وإن غم عليه ولم يرها كان ذلك سبب توصله إلى الملك، ثم لفهما في قطن وناولهما للمعلم فرأى ظاهرهما ولم ير باطنهما لجهله بالصنعة، ولما سبق له في القضاء، فأخذها المعلم ومضى بهما فرحًا إلى الملك، وقدمهما إليه، فلم يشك الملك في أنهما صنعته، فخلع عليه وشكره، ثم جاء فجلس مكانه ولم يلتفت إلى الصانع، وما زاده في آخر النهار شيئًا على الدرهمين، فلما كان اليوم الثاني خلا خاطر الملك فاستحضر الحظية التي عمل لها السوارين الذهب فحضرت وهما في يديها، فأخذهما ليعيد نظره فيهما وفي حسن صنعتهما، فقرأ الأبيات، فتعجب وقال: هذا شرح حال صانعهما والمعلم يكذب، فغضب عند ذلك، وأمر بإحضار المعلم، فلما حضر قال له: من عمل هذين السوارين. قال: أنا أيها الملك، قال: فما سبب نقش هذه الأبيات. قال: لم يكن عليهما أبيات. قال: كذبت. ثم أراه النقش. وقال: إن لم تصدقني الحق لأضربن عنقك، فأصدقه الحق. فأمر الملك بإحضار الصانع، فلما حضر سأله عن حاله، فحكى له قصته، وما جرى له مع المعلم، فرسم الملك بعزل المعلم وأن تسلب نعمته وتعطى للصانع، وأن يكون عوضًا عنه في الخدمة ثم خلع عليه خلعة سنية، وصار مقدمًا سعيدًا، فلما نال هذه الدرجة. وتمكن عند الملك تلطف به حتى رضي عن المعلم الأول وصارا شريكين ومكثا على ذلك إلى آخر العمر. ورحم الله من قال:
إذا كان سعد المرء في الدهر مقبلا ** تدانت له الأشياء من كل جانب

وقال آخر:
ما سلم الله هو السالم ** ليس كما يزعم الزاعم

تجري المقادير التي قدرت ** وأنف من لا يرتضي راغم

وقال كعب بن زهير:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ** سعي الفتى وهو مخبوء له القدر

يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ** والنفس واحدة والهم منتشر

والمرء ما عاش ممدود له أمل ** ينتهي ذاك حتى ينتهي العمر

وروي في الإسرائيليات أن نبيًا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مر بفخ منصوب وإذا بطائر قريب منه. فقال له الطائر: يا نبي الله: هل رأيت أقل عقلا ممن نصب هذا الفخ ليصيدني به وأنا أنظر إليه؟ قال: فذهب عنه ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع وإذا بالطائر في الفخ، فقال له: عجبًا لك ألست القائل كذا وكذا آنفًا. فقال: يا نبي الله إذا جاء الحين لم يبق أذن ولا عين. ويروى أن رجلا قال لبزرجمهر تعال نتناظر في القدر. قال: وما تصنع بالمناظرة؟ قال: رأيت شيئًا ظاهرًا استدلت به على الباطن، رأيت جاهلا مبرورًا وعالمًا محرومًا، فعلمت أن التدبير ليس للعباد. ولما قدم موسى بن نصير بعد فتح الأندلس على سليمان بن عبد الملك قاله له يزيد بن المهلب: أنت أدهى الناس وأعلمهم، فكيف طرحت نفسك في يد سليمان؟ فقال: إن الهدهد ينظر إلى الماء في الأرض على ألف قامة، ويبصر القريب منه والبعيد على بعد في التخوم، ثم ينصب له الصبي الفخ بالدودة أو الحبة فلا يبصره حتى يقع فيه وأنشدوا في ذلك:
وإذا خشيت من الأمور مقدرًا ** وفررت منه فنحوه تتوجه

وقال آخر:
أقام على المسير وقد أنيخت ** مطاياه وغرد حادياها

وقال أخاف عادية الليالي ** على نفسي وأن ألقى رداها

مشيناها خطًا كتبت علينا ** ومن كتبت عليه خطًا مشاها

ومن كانت منيته بأرض ** فليس يموت في أرض سواها

ولما قتل كسرى بزرجمهر وجد في منطقته كتاب فيه: إذا كان القضاء حقًا فالحرص باطل.
وإذا كان الغدر في الناس طباعًا فالثقة بكل أحد عجز.
وإذا كان الموت بكل أحد نازلا فالطمأنينة إلى الدنيا حمق.
وقال ابن عباس وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {وكان تحته كنز لهما} [الكهف: 83]. إنما كان الكنز لوحًا من ذهب مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن يوقن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يوقن بالرزق كيف ينصب وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يوقن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وحكى الطرطوشي رحمه الله تعالى في كتابه سراج الملوك قال: من عجيب ما اتفق بالإسكندرية أن رجلا من خدم نائب الإسكندرية غاب عن خدمته أيامًا ففي بعض الأيام قبض عليه صاحب الشرطة وحمله إلى دار النائب فانفلت في بعض الطرق وترامى في بئر والمدينة إذ ذاك مسردبة بسرداب يمشي الماشي فيه قائمًا فما زال الرجل يمشي إلى أن لاحت له بئر مضيئة فطلع منها فإذا البئر في دار النائب فلما طلع أمسكه النائب وأدبه فكان فيه المثل السائر: الفار من القضاء الغالب كالمتقلب في يد الطالب. وأنشدوا فيه:
قالوا تقيم وقد أحاط ** بك العدو ولا تفر

لا نلت خيرًا أن بقي ** ت ولا عداني الدهر شر

إن كنت أعلم أن ** غير الله ينفع أو يضر

اهـ.

.تفسير الآيات (4- 5):

قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لرَجُلٍ منْ قَلْبَيْن في جَوْفه وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائي تُظَاهرُونَ منْهُنَّ أُمَّهَاتكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلكُمْ قَوْلُكُمْ بأَفْوَاهكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدي السَّبيلَ (4) ادْعُوهُمْ لآبَائهمْ هُوَ أَقْسَطُ عنْدَ اللَّه فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإخْوَانُكُمْ في الدّين وَمَوَاليكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيمَا أَخْطَأْتُمْ به وَلَكنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحيمًا (5)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان النازع إلى جهتين والمعالج لأمرين متباينين كأنه يتصرف بقلبين، أكد أمر الإخلاص في جعل الهم همًا واحدًا فيما يكون من أمور الدين والدنيا، وفي المظاهرة والتبني وكل ما شابهها بضرب المثل بالقلبين- كما قال الزهري، فقال معللًا لما قبله بما فيه من الإشارة إلى أن الآدمي مع قطع النظر عن رتبة النبوة موضع لخفاء الأمور عليه: {ما جعل الله} أي الذي له الحكمة البالغة، والعظمة الباهرة، وليس الجعل إلا له ولا أمر لغيره {لرجل} أي لأحد من بني آدم الذين هم أشرف الخلائق من نبي ولا غيره، وعبر بالرجل لأنه أقوى جسمًا وفهمًا فيفهم غيره من باب الأولى؛ وأشار إلى التأكيد بقوله: {من قلبين} وأكد الحقيقة وقررها، وجلاها وصورها لما قد يظن الإنسان من أنه يقدر على صرف النفس إلى الأمور المتخالفة كما يفعل المنافق، بقوله: {في جوفه} أي حتى يتمكن من أن ينزع بكل قلب إلى جهة غير الجهة التي نزع إليها القلب الآخر لأن ذلك مودّ إلى خراب البدن لأن القلب مدبره بإذن الله تعالى، واستقلال كل بالتدبير يؤدي إلى الفساد كما مضى في دليل التمانع سواء؛ قال الرازي في اللوامع: القلب كالمرآة مهما حوذي به جانب القدس أعرض عن جانب الحس، ومهما حوذى به جانب الحس أعرض عن جانب القدس، فلا يجتمع الإقبال على الله وعلى ما سواه- انتهى.
وحاصل ذلك أنه تمهيد لأن التوزع والشرك لا خير فيه، وأن مدبر الملك واحد كما أن البدن قلب واحد، فلا التفاف إلى غيره، وأن الدين ليس بالتشهي وجعل الجاعلين، وإنما هو بجعله سبحانه، فإنه العالم بالأمور على ما هي عليه.
ولما كان كل من المظاهرة والتبني نازعًا إلى جهتين متنافيتين، وكان أهل الجاهلية يعدون الظهار طلاقًا مؤبدًا لا رجعة فيه- كما نقله ابن الملقن في عمدة المنهاج عن صاحب الحاوي، وكان المخاطبون قد أعلاهم الوعظ السابق إلى التأهل للخطاب، لفت سبحانه القول إليه على قراءة الغيب في {يعلمون} لأبي عمرو فقال: {وما جعل أزواجكم} أي بما أباح لكم من الاستمتاع بهن من جهة الزوجية؛ ثم أشار إلى الجهة الأخرى بقوله: {اللائي تظاهرون منهن} أي كما يقول الإنسان للواحدة منهن: أنت عليّ كظهر أمي {أمهاتكم} بما حرم عليكم من الاستمتاع بهن حتى تجعلوا ذلك على التأييد وترتبوا على ذلك أحكام الأمهات كلها، لأنه لا يكون لرجل أمان، ولو جعل ذلك لضاق الأمر، واتسع الخرق، وامتنع الرتق {وما جعل أدعياءكم} بما جعل لهم من النسبة والانتساب إلى غيركم {أبناءكم} بما جعلتم لهم من الانتساب إليكم ليحل لهم إرثكم، وتحرم عليكم حلائلهم وغير ذلك من أحكام الأبناء، ولا يكون لابن أبوان، ولو جعل ذلك لضاعت الأنساب، وعم الارتياب، وانقلب كثير من الحقائق أيّ انقلاب، فانفتح بذلك من الفساد أبواب أيّ أبواب، فليس زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي الذي تبنيته ابنًا لك أيها النبي بتبنيك له جزاء له باختياره لك على أبيه وأهله، وهذا توطئة لما يأتي من قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش مطلقة زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قال المنافقون كما حكاه البغوي وغيره: تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك، فأنزل الله هذه الآية، وبين أن التبني إنما هو مجاز، وأن المحرم إنما هو زوجة الابن الحقيقي وما ألحق به من الرضاع، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تبنى زيدًا بن حارثة رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن.
{ادعوهم لآبائهم}.
لما أبطل سبحانه، استأنف الإخبار عما مضى من عملهم فيه فقال: {ذلكم} أي القول البعيد عن الحقيقة، وأكد هذا بقوله: {قولكم بأفواهكم} أي لا حقيقة له وراء القول وتحريك الفم من غير مطابقة قلوبكم، فإن كل من يقول ذلك لا يعتقده، لأن من كان له فم كان محتاجًا، ومن كان محتاجًا كان معرضًا للنقائص كان معرضًا للأوهام، ومن غلبت، عليه الأوهام كان في كلامه الباطل {والله} أي المحيط علمه وقدرته وله جميع صفات الكمال {يقول الحق} أي الكامل في حقيته، الثابت الذي يوافق ظاهره باطنه، فلا قدرة لأحد على نقضه فإن أخبر عن شيء فهو كما قال، ليس بين الخبر والواقع من ذلك المخبر عنه شيء من المخالفة، وإن أتى بقياس فرع على أصل لم يستطع أحد إبداء فرق، فإن أقواله سبحانه سابقة على الواقع لأنها مصدرة فيها بكون، فإذا قال قولًا وجد مضمونه مطابقًا لذلك القول، فإذا طبقت بينهما كانا سواء، فكان ذلك المضمون ثابتًا كما كان ذلك الواقع ثابتًا، فكان حقًا، هكذا أقواله على الدوام، لأنه منزه سبحانه عن النقائص فلا جارحة ثم ليكون بينها وبين معد القول مخالفة من فم أو غيره وعن كل ما يقتضي حاجة، فالآية من الاحتباك: ذكر الفم أولًا دليلًا على نفيه ثانيًا والحق ثانيًا دليلًا على ضده الباطل أولًا، وسرّ ذلك أنه ذكر ما يدل على النقص في حقنا، وعلى الكمال في حقه، ودل على التنزيه بالإشارة ليبين فهم الفهماء وعلم العلماء {وهو} أي وحده من حيث قوله الحق {يهدي السبيل} أي الكامل الذي من شأنه أن يوصل إلى المطلوب إن ضل أحد في فعل أو قول، فلا تعولوا على سواء ولا تلتفتوا أصلًا إلى غيره.
ولما كان كأنه قيل: فما تقول؟ اهدنا إلى سبيل الحق في ذلك، أرشد إلى أمر التبني إشارة إلى أنه هو المقصود في هذه السورة لما يأتي بعد من آثاره التي هي المقصودة بالذات بقوله: {ادعوهم} أي الأدعياء {لآبائهم} أي إن علموا ولدًا قالوا: زيد بن حارثة؛ ثم علله بقوله: {هو} أي هذا الدعاء {أقسط} أي أقرب إلى العدل من التبني وإن كان إنما هو لمزيد الشفقة على المتبني والإحسان إليه {عند الله} أي الجامع لجميع صفات الكمال، فلا ينبغي أن يفعل في ملكه إلا ما هو أقرب إلى الكمال، وفي هذا النسبة إلى ما مضى بعض التنفيس عنهم، وإشارة إلى أن ذلك التغليظ بالنسبة إلى مجموع القولين المتقدمين.
ولما كانوا قد يكونون مجهولين، تسبب عنه قوله: {فإن لم تعلموا آباءهم} لجهل أصلي أو طارئ {فإخوانكم في الدين} إن كانوا دخلوا في دينكم {ومواليكم} أي أرقاؤكم مع بقاء الرق أو مع العتق على كلتا الحالتين، ولذا قالوا: سالم مولى أبي حذيفة.
ولما نزل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام» أخرجه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة رضي الله عنه ما.
ولما كانت عادتهم الخوف مما سبق من أحوالهم على النهي لشدة ورعهم، أخبرهم أنه تعالى أسقط عنهم ذلك لكونه خطأ، وساقه على وجه يعم ما بعد النهي أيضًا فقال: {وليس عليكم جناح} أي إثم وميل واعوجاج، وعبر بالظرف ليعيد أن الخطأ لا إثم فيه بوجه، ولو عبر بالباء لظن أن فيه إثمًا، ولكنه عفا عنه فقال: {فيما أخطأتم به} أي من الدعاء بالنبوة والمظاهر أو في شيء قبل النهي أو بعده، ودل قوله: {ولكن ما} أي الإثم فيما {تعمدت قلوبكم} على زوال الحرج أيضًا فيما وقع بعد النهي على سبيل النسيان أو سبق اللسان، ودل تأنيث الفعل على أنه لا يعتمده بعد البيان الشافي إلا قلب فيه رخاوة الأنوثة، ودل جمع الكثرة على عموم الإثم إن لم ينه المعتمد.
ولما كان هذا الكرم خاصًا بما تقدمه، عم سبحانه بقوله: {وكان الله} أي لكونه لا أعظم منه ولا أكرم منه {غفورًا رحيمًا} أي من صفته الستر البليغ على المذنب النائب، والهداية العظمية للضال الآئب، والإكرام بإيتاء الرغائب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه}.
قال بعض المفسرين الآية نزلت في أبي معمر كان يقول لي قلبان أعلم وأفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد فرد الله عليه بقوله: {مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه} وقال الزمخشري قوله: {وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائى تظاهرون منْهُنَّ أمهاتكم} أي ما جعل لرجل قلبين كما لم يجعل لرجل أمين ولا لابن أبوين، وكلاهما ضعيف بل الحق أن يقال إن الله لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالاتقاء بقوله: {يا أيها النبى اتق الله} فكان ذلك أمرًا له بتقوى لا يكون فوقها تقوى ومن يتقي ويخاف شيئًا خوفًا شديدًا لا يدخل في قلبه شيء آخر ألا ترى أن الخائف الشديد الخوف ينسى مهماته حالة الخوف فكأن الله تعالى قال يا أيها النبي اتق الله حق تقاته، ومن حقها أن لا يكون في قلبك تقوى غير الله فإن المرء ليس له قلبان حى يتقي بأحدهما الله وبالآخرة غيره فإن اتقى غيره فلا يكون ذلك إلا بصرف القلب عن جهة الله إلى غيره وذلك لا يليق بالمتقي الذي يدعي أنه يتقي الله حق تقاته، ثم ذكر للنبي عليه الصلاة والسلام أنه لا ينبغي أن يتقي أحدًا ولا مثل ما اتقيت في حكاية زينب زوجة زيد حيث قال الله تعالى: {وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه} [الأحزاب: 37] يعني مثل تلك التقوى لا ينبغي أن تدخل في قلبك ثم لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بتلك الحالة ذكر ما يدفع عنه السوء.
فقال: {وَمَا جَعَلَ أَدْعيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} أي وما جعل الله دعي المرء ابنه ثم قدم عليه ما هو دليل قوي على اندفاع القبح وهو قوله: {وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائى تظاهرون منْهُنَّ أمهاتكم} أي إنكم إذا قلتم لأزواجكم أنت علي كظهر أمي فلا تصير هي أمًا بإجماع الكل، أما في الإسلام فلأنه ظهار لا يحرم الوطء، وأما في الجاهلية فلأنه كان طلاقًا حتى كان يجوز للزوج أن يتزوج بها من جديد، فإذا كان قول القائل لزوجته أنت أمي أو كظهر أمي لا يوجب صيرورة الزوجة أمًا كذلك قول القائل للدعي أنت أبي لا يوجب كونه ابنًا فلا تصير زوجته زوجة الابن فلم يكن لأحد أن يقول في ذلك شيئًا فلم يكن خوفك من الناس له وجه كيف ولو كان أمرًا مخوفًا ما كان يجوز أن تخاف غير الله أو ليس لك قلبان وقلبك مشغول بتقوى الله فما كان ينبغي أن تخاف أحدًا.